مترجم: تربية الأطفال على الحمية الغذائية المعتمدة على النبات (1)

بقلم: د. جون ماكدوجل
ترجمة: علا عنان


رابط المقال الأصلي من موقع Forks over knives

بمجرد ما أن يتم فطام الطفل, يمكننا أن نعتبر أنه راشدٌ صغير فيما يتعلق بالتغذية. النسبة الأكبر من غذائهم, والتي سيعتمد عليها جسدهم للنمو, ينبغي أن تأتي من النشويات (البطاطس, الذرة, الأرز, البطاطا الحلوة, الفول الخ).
اللحوم ومنتجات الألبان, بجانب الزيوت والسكريات البسيطة ستجلب لهم البدانة والمرض.
عندما يتبع الأطفال نظاماً غذائياً معتمداً على النشويات -وهذا ما أنصح به- فلا داعي للقلق إن كانوا يحصلون على ما يكفيهم من البروتين, الأحماض الأمينية, الكالسيوم, الحديد, الزنك, أو أي من الدهون الأساسية لنموهم. وعلى كل حال, فهناك بعض النقاط التي نود أن نوليها المزيد من الانتباه لضمان حصول الأطفال على ما يكفي من السعرات الحرارية اللازمة للنمو.

مقدمة

لقد اعتمدت الصناعات الغذائية على استراتيجية معينة لبناء قاعدتها من المستهلكين, هذه الاستراتيجية المسماة (الموضع الفريد), والتي تحاول أن تميّز منتجاتها عن طريق الترويج بشكل مبالغ فيه على احتواء هذا المنتج على واحد من المواد الغذائية المتوفر فيه بكثرة. لقد نجحت جهودهم بشكل فعّال, الأمر الذي أدى إلى ربط الكالسيوم بمنتجات الألبان, والبروتين باللحوم والدواجن والبيض, الحديد باللحم البقري, ودهون الأوميجا 3 الأساسية بمنتجات الأسماك.

لقد أدى هذا الترويج التجاري لجعل العدد الأكبر من الناس, على الصعيد العادي والمهني, يعتقد ويؤمن بأن استغناء الإنسان, وبخاصة الأطفال, عن المنتجات الحيوانية في غذائهم سيؤدي حتماً إلى المرض. هذا الاعتقاد هو خاطئ علمياً, وقد قمتُ بشرح ذلك مفصلاً في كتابي (The Starch Solution).

إن العواقب التي نتجت من وراء هذا الترويج التجاري بمليارات الدولارت للأطعمة غير الصحية لا يمكن إنكارها, ألا وهي تفشي الأمراض المزمنة لدى الأطفال المقيمين في الدول الغربية. في وقتنا الحاضر, هناك واحد من بين كل ثلاثة أطفال أمريكيين يعاني من زيادة الوزن, أو البدانة المفرطة. والمرض هو ما يختبئ تحت كل هذه الدهون الزائدة.

تعتبر زيادة الوزن هي العامل الأساسي المؤدي إلى الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكر. ومن المحزن أن ثلث الأطفال الذين ولدوا في العام 2000 من المتوقع أن يُصابوا بمرض السكر خلال حياتهم.
هذا بالإضافة لتصلّب الشرايين والمؤدي إلى الجلطات والسكتات القلبية, والأنواع الشائعة من سرطانات الثدي, القولون والبروستات.
لقد أصبح من المتوقع أن تكون أعمار الجيل الحالي من الأبناء أقصر من أعمار والديهم, بسبب هذا النمط من الحياة.

إن المعلومات الخاطئة عن تغذية الأطفال هي العقبة الأولى في طريق استعادة هؤلاء الأطفال لصحتهم الضائعة.

العاملون في الصناعة, والمقربون من الحكومات, يقومون وبكل حماس بنشر أكاذيب تتعلق بمدى تفوّق الأغذية الحيوانية على غيرها من حيث القيمة الغذائية. على سبيل المثال, لقد قام أحد مربيّ الماشية, والذي هو أيضا أحد أعضاء الكونجرس في عام 2012, قام بتقديم مشروع قانون "HR 804" ,وينص على:

  1. الاعتراف بأهمية البروتين الحيواني كعنصر أساسي في الحمية الغذائية لكل مواطن في الولايات المتحدة.
  2. تشجيع وزارة الزراعة الأمريكية على الاستمرار بترويج المنافع الصحية لاستهلاك البروتين الحيواني, وذلك بنشرها في (المبادئ التوجيهية الغذائية للأمريكين عام 2010)
أنت من يجب عليكَ أن تحمي أسرتك, لا أحد من الخارج سوف يساعدك في ذلك, على الأرجح.

المخاوف الشائعة للآباء 

بغض النظر عن التفضيلات الشخصية لطعم الأغذية الحيوانية أو المكاسب الكبيرة التي تجنيها الصناعات الغذائية والدوائية, فإن الحقيقة العلمية هي أن طفلك سينمو ويزدهر عند اعتماده على حمية غذائية معتمدة على النشويات, خالية من المنتجات الحيوانية, كما سيتجنب الإصابة بالأمراض التي يشيع انتشارها الآن ضمن فئته العمرية. ولتجنب العقبات اليومية, فإن الوالدين يجب عليهم أن يتعرفوا على الحقائق الغذائية المختلفة.

البروتين

إن العامين الأولين من عمر الطفل هي السنوات الأشد أهمية في نموه وصحته طوال عمره. والحمية المثالية خلال هذه الفترة المتطلبة غذائياً هي حليب الأم. يشكّل البروتين في حليب الأم البشري ما نسبته 5% من مجمل السعرات. هذا المستوى المنخفض من البروتين لا يمكن الوصول إليه عن طريق الأغذية النباتية غير المكررة. معظم الأغذية النباتية تحتوي على مستويات أعلى من البروتين: (البطاطا الحلوة 6%, الأرز 8%, البطاطس 10% والبقول 28%). النبات يستطيع أن يصنّع كل الأحماض الأمينية الأساسية, في حين أن الحيوانات تستطيع أن تصنّع نصف هذه العناصر فقط. لذلك, فإن حصول الطفل على ما يكفي من البروتين لا يكون عاملا مقلقا عند اتباعه حميتي الغذائية المعتمدة على النشويات.

الكالسيوم

هذا العنصر يتولد أصلا من التربة, وينتقل بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أجسام الحيوانات عن طريق النبات. الكالسيوم النباتي هو الغذاء الذي تعتمد عليه الأحصنة المتينة والأفيال القوية. وكما هو من الواضح, فإن النباتات تكفي لتزويد الأطفال باحتياجهم من عنصر الكالسيوم. 
لقد صدر مؤخراً بحث علمي في مجلة أطباء الأطفال العلمية (The Pediatrics journal), ويركز البحث على طمأنة الآباء على أن منتجات الألبان غير ضرورية للحصول على الكالسيوم. أما اللحوم, الدجاج والبيض فلا تحتوي على الكالسيوم مطلقاً. إن نقص الكالسيوم ليس عاملا من عوامل القلق في حميتي المعتمدة على النشويات.

دهون أوميجا 3

ينمو الدماغ (الذي هو أصلا مجموعة من الأنسجة الدهنية) سريعاً خلال مرحلة الطفولة. هذا قد أدى إلى اعتقاد الناس بأهمية المصادر المركزة من الدهون الضرورية. الجدير بالذكر أن النبات والنبات فقط هو من يستطيع أن يصنّع الدهون الأساسية الضرورية (أوميجا 3 و أوميجا 6). صحيح أن الحيوانات (الأسماك مثلا)  تستطيع أن تحوّل عناصر النمو النباتية إلى أنواع أخرى من الدهون. لكن الإنسان هو أيضاً "حيوان" ويستطيع جسمه أن يفعل الشئ نفسه. لا يحتاج الإنسان أي مساعدة من حيوان آخر للقيام بذلك. ولهذا فإن الدهون الأساسية ليست عاملا من عوامل القلق في حميتي المعتمدة على النشويات.

الحديد

هذا العنصر أيضاً يأتي من التربة, وينتقل لجسم الحيوانات بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق أكلها للنبات. إن القلق حول الحديد المنخفض -خاصة لدى الأطفال- قد دعى إحدى المنظمات الصحية في كندا إلى اقتراح اللحوم كأول غذاء صلب يقدّم إلى الأطفال الرضّع! لاحظ رجاءً أن أعضاء هذه المنظمة لديهم صلات بالصناعات الدوائية والغذائية. 
لقد قاموا باقتراح زيادة الحديد عن طريق أكل اللحوم, وقد كان يجدر بهم أن ينصحوا بإزالة حليب الأبقار, الذي هو المسئول عن فقر الدم ونقص الحديد لدى الرضّع.
لا يحتوي حليب البقر على الحديد مطلقاً. بل أنه يفاقم مشكلة نقص الحديد, وذلك لأن ما يحتويه حليب البقر من مادتيْ الكالسيوم والكاسين يمنع امتصاص الحديد في جسم الطفل! أضف إلى ذلك أن حليب الأبقار هو المسئول عن نزيف الامعاء لدى 40% من الأطفال الرضّع الأصحاء. 
إن إطعام اللحوم للرضّع كغذائهم الأول ليس فقط لا يصلح مشكلة نقص الحديد, بل أنه يسبب المزيد من المشاكل: (البدانة, النوع الثاني من مرض السكر, أمراض الشرايين, السرطان وغيرها). 
على النقيض من حليب الأبقار, فإن حليب الأم يحسّن قدرة الجسم على امتصاص الحديد. ولهذا, فإن نقص الحديد لا يصيب الأطفال الذين يتغذون بشكل حصري على حليب أمهاتهم. 
يمكن للنباتات الغنية بالحديد من منبعها (التربة) أن تلبي حاجة الأطفال الغذائية من الحديد, طالما أنهم ممتنعون عن تناول منتجات الألبان. إن نقص الحديد لا يشكل عاملا من عوامل القلق في حميتي المعتمدة على النشويات.

فيتامين (د)

إن احتياج الرضع والأطفال لضوء الشمس يأتي لعدة أسباب, من بينها إنتاج فيتامين (د) في أجسامهم. ويتوقف مقدار التعرض لأشعة الشمس على عدة عوامل, من بينها الموقع الجغرافي والزمن خلال اليوم, الخ. بشكل عام, فإن تعريض الوجه واليدين لأشعة الشمس لمدة ساعتين في الأسبوع يكون كافيا للأطفال ذوي البشرة الفاتحة. لا يعتبر المكمل الغذائي المحتوي على فيتامين (د) بديلاً للتعرض لأشعة الشمس. ولا أنصح بالمكمل الغذائي على شكل أطعمة محصّنة (fortified) أو حبوب, إلا في حالات استثنائية. نقص فيتامين (د) لا يشكل عاملا من عوامل القلق في حميتي المعتمدة على النشويات.

فيتامين B12

إن البكتيريا الموجودة في بيئتنا وفي أمعاء الإنسان قادرة على إنتاج فيتامين B12, تحتوي اللحوم على هذا الفيتامين أساساً بسبب تصنيع البكتيريا لها. إلا أن الظروف المعقمة وتناول الماشية للمضادات الحيوية ومواد التعقيم في هذا العصر قد تسبّب نقص فيتامين B12 حتى لدى الناس الذين يتناولون المنتجات الحيوانية. وللحماية من هذا الإحتمال, فإن الأطفال يجب أن يتناولوا المكمل الغذائي لفيتامين B12. ما مقداره 5 ميكروجرامات يوميا (5 mcg) سيكون كافياً, ولا يبدو أن له تأثيراً سميّا, حتى في الجرعات العالية المتواجدة في المتاجر (قد تتراوح الجرعات بين 500 إلى 5000 ميكروجرام في الجرعة الواحدة). 
لا يدعو فيتامين B12 للقلق في حميتي المعتمدة على النشويات, مع نصيحتي بتناول مكمل غذائي.

الطول, والسعرات الكافية

إذا احتوت حمية الأطفال على ما يكفي من السعرات, فإن المتوقع هو نموهم وتطورهم بشكل طبيعي. يحتاج الأطفال إلى الطاقة لكي ينموا وتعتبر النشويات (الأرز, الذرة, البطاطس, الخ) هي المناجم الذهبية للطاقة. ويمكنكم تعزيز كمية السعرات بتناول الأطعمة ذات السعرات المركزة: الفواكه المجففة, المكسرات, الحبوب (السمسم, الكتان, اليقطين), زبدة الفول السوداني أو زبدة اللوز, والأفوكادو. انتبهوا للعصائر, فهي تحتوي على سعرات عالية وسكريات بسيطة, لذلك تأكدوا من تنظيف الأسنان مباشرةً بعد تناول هذه العصائر تجنباً لتسوس الأسنان.

الطول النهائي للإنسان يعتمد على مقدار ما استوعبه جسمه من سعرات خلال مرحلة الطفولة, ولكن من المهم الاعتماد على المصادر النباتية من هذه السعرات بدلا من المصادر الحيوانية. إن الاعتماد على الأطعمة الحيوانية ينتج عنها العديد من المشاكل الصحية, من ضمنها البلوغ المبكر. والنضج المبكر يعني البداية المبكرة للنشاط الجنسي, والمزيد من حمل المراهقات, والمزيد من الفقيرات الإناث, والمزيد من الأمراض في مراحل لاحقة من العمر (سرطان الثدي على سبيل المثال).
إن الفشل في اكتساب الطفل للطول المناسب لا يعتبر عاملا من عوامل القلق في حميتي المعتمدة على النشويات.

(نهاية الجزء الأول)
ترجمة الجزء الثاني من المقال